هدى الشمري
عد الإعلام اليوم الواجهة الحقيقية للشعوب والمعبر الموضوعي عن عقلية الجماهير وميولها واتجاهاتها لما لهُ من دور كبير في نقل الأحداث وبناء رأي عام واعٍ إضافة إلى مهامه في التثقيف والتعليم.. ولاشك أننا نعيش اليوم في عصر الإعلام وتكنولوجيا المعلومات وبـالتالي أصبح الإعلام المؤثر الأبرز في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية.. وقد مرت على العراق عقود كثيرة من النظرة الأحادية للإعلام أو مايسمى بـالاعلام الموجه مع تضييق للحريات في الكتابة والنشر.
واليوم بعد سقوط النظام السابق في عام ٢٠٠٣م عادت مهنة الإعلام إلى الواجهة مع ظهور الفضائيات والإذاعات والصحف الكثيرة المتنوعة إذ أصبح النشر متاح للجميع مع تعدد وسائل الإعلام وبـالتالي برزت الحاجة إلى وجود إعلاميين أكفاء مهنيين قادرين على التواصل مع هذه المرحلة ومن هـنا قامت العديد من المنظمات الدولية والحكومية والمحلية وحتى منظمات المجتمع المدني بإقامة دورات تدريبية لتأهيل الإعلاميين وزجهم في سوق العمل الإعلامي..
الـتـقـيـنا بـعـدد مـن الـمـخـتـصـيـن فـي مـجـال الإعـلام والـمـتـدربـيـن لـتـسـلـيـط الـضـوء عـلـى ظـاهـرة إقـامـة الـدورات الاعـلامـيـة الـقـصـيـرة والـطـويـلـة فـي كـربـلاء ومـدى فـائـدتـهـا وقـدرتـهـا عـلـى تـأهـيـل كـوادر إعـلامـيـة مـهـنـيـة..
تـأهـيـل الـكـوادر الاعـلامـيـة
الإعلامي مـاجـد الـخـيـاط (مدير المركز العراقي للدراسات والبحوث الإعلامية) قـال: اذا مااخذنا اقامة هذه الدورات من جانب تحفيز مرتاديها على التفكير بمستقبلهم وتنمية مواهبهم سـتكون جيدة إلى حد ما، ولـكن أن يمنح المتدرب فيها شهادة يكتب فيها أنه مهيء للعمل أو أنه أصبح ذا خبرة فهذا أمر سيء لأن الطالب هـنـا سوف يستسهل طريق النجاح من دون عنايته بـضرورة تحصينه بـالمعرفة الكاملة غير المنقوصة، فضلاً عن أنها سوف تشجع على ترك مقاعد الدراسة العامة واللجوء إلى هذه الدورات.
وأضاف: اما اذا أردنا أن ننظر إلى كفاءة المدربين بـهذه الدورات واختصاصاتهم، التي أغلبها يأتي بعيداً عن الإعلام، وتحمل القاباً كبيرة، قد لا يستحقها العديد من الصحفيين البارزين في العمل اليوم، مثل لقب الخبير الإعلامي، فهذا يعد انتحالاً للشخصية وإساءة للمهنة وخداعاً للطالب، سيما بعض منظمات المجتمع المدني التي أصبحت الآن خارج الرقابة لدائرة المنظمات غير الحكومية، وصار شغلها الشاغل هو إقامة دورات إعلامية فقط، وكأن المجتمع إنتهى من كل متطلباته ولم يبق فيه سوى موضوع الإعلام كـي ينشغلوا بتطويره، في حين أن دائرة المنظمات غير الحكومية قـد حددت اختصاصات كل منظمة.
فيما قـال رحـيـم الـسـيـلاوي (مصور فوتوغرافي): من وجهة نظري العملية ومن خلال تخريج ١٧ دورة فوتوغرافية وعلى مستويات مختلفة من الناحية المهنية والعمرية تبين لي أن من يمتلك حـب التصوير الفوتوغرافي بـشكل كبير جداً تكون مهلة الخمسة أيام كافية لجعل المتدرب يقف على أعتاب تعلم هذا الفن وبالتأكيد وعندما يدعم بالمعلومات المهمة خلال هذه الفترة ويتبعها عمل ومتابعة مستمرة من المتدرب فـستكون المهمة سهلة على المتدرب حمل كاميرته والتوجه بها لاصطياد واقتناص اروع اللحظات..
وتابع الـسـيـلاوي: الأمر الثاني وهو المهم هو مدى ثقافة المدرب ودرايته بالمعلومات الفنية وانفتاحه على التطور الحاصل على الساحة الفوتوغرافية العالمية وأسلوبه الأكاديمي في إدارة الدورة مثل خلق حالة الأكشن وعناصر التشويق التي تبعث عند المتلقي بالاصرار لـيواصل حضوره في اليوم الثاني بـكل قوة وهذا اكيد يتجلى في الحضور الذي يمتلكه المدرب…
مؤكداً أنه من السهولة على المصور أن يحمل كاميرته ويصور في غضون خمسة أيام وهنالك طلبة كانوا قد تخرجوا من دوراتي وهم الآن أرقام صعبة ومشاريع فوتوغرافية مثّلوا العراق بصورهم الرائعة رغم أعمارهم الفنية البسيطة.. إذن الكبار ليسوا بسنهم وإنما بـفنهم..
رئيس اتحاد الإذاعيين والتلفزيونيين العراقيين في كربلاء (هـادي الـمـوسـوي) أكـــد أن أغلب العاملين في مجال الإعلام لم يختصوا في الإعلام في دراستهم الأكاديمية بـل حتى البعض منهم لم يحصل على شهادة أكاديمية بـل انهم امتهنوا الإعلام لـموهبة أو هواية أو بحثاً عن لقمة العيش، وهذه الدورات السريعة تعمل على صقل مواهبهم ومن المؤكد أنها غير كافية لأن يتخرج المشارك فيها محترفاً في العمل الإعلامي لـكنها تكون بـمثابة الخطوة الأولى في رحلة الألف ميل في العمل المهني ويجدر بالمتخرجين من هذه الدورات ان لا يوقفوا تدريباتهم عند نهاية الورشة بـل يواصلوا التدريبات النظرية والعملية في الإختصاص الذي شاركوا فيه أو يرغبون للعمل بـه.
إلى ذلك قالت إحدى المتدربات (مـيـس عـارف): ان الدورات الإعلامية القصيرة التي تقام ممكن أن تساهم في زيادة المعلومات والخبرات، ولـكن لا يجب أن يتم اعتماد الشخص المشارك بـدورة قصيرة مدتها يومين أو أسبوع ويصبح مؤهل للانخراط والعمل في مجال الصحافة والإعلام، لـكون العمل الإعلامي لا يقتضي الخوض به الشهادة فـحسب، بـل يجب أن يكون الإعلامي مهنياً وخاضعاً لـلتدريب وملماً بـفنون الصحافة ولديه خبرة في الجانبين النظري والعملي.. وهذا لايمكن أن يكون بـدورات تقام بـيومين أو أسبوع وهذا ليس بتقليل من شأن الدورات القصيرة بل على العكس فـهي مهمة في إضافة الخبرات وتسهم في التطوير.
فـيـما حدثنا المتدرب جـلال الـكـاظـم قـائـلاً: الإعلام لا يلخص بدورة مبسطة لأن الإعلام بحر متلاطم الأمواج، لـكن هكذا دورات يمكن أن يستفاد منها من هو لديه خبرة في هذا المجال لزيادة خبرته ولتحديث ماهو جديد ولصقل الموهبة التي يمتلكها من خلال هذه الدورات الإعلامية، اما بخصوص منح شهادة للمتدرب هذا يعد بمثابة جفاء للصحفيين الذين درسوا الإعلام في الجامعات لـمدة أربع سنوات، هل من المعقول أن نقارن شهادة الجامعة بشهادة دورة إعلامية لمدة يومين، نعم هذه الدورات مهمة جداً لمسك زمام الأعلام وهناك أساتذة قائمين على هذه الدورات يشار لهم بـالبنان ولكن تبقى للخبرة فقط وليس لمنح شهادة.
إذ كـان رأي المراسل التلفزيوني عـلاء الابـراهـيـمـي: بـطبيعة العمل الإعلامي يحتاج إلى الكثير من الجهد والبحث العميق في الجانب النظري وقد يطول حالها إلى سنين طوال من أجل الوصول إلى ركائز يعتمد عليها في رحلة المهنة إضافة إلى الجانب التطبيقي والممارسة الفعلية للمتمرن في كافة المجالات الإعلامية، كما للموهبة دور كبير في إقامته وضرورة وجود بعض الخواص التي تتكامل مع ما مذكور أعلاه، لذلك لا يمكن أن تكون الدورة التدريبية الإعلامية التي تتلخص في يومين وهي ظاهرة لا تجدي نفعاً برزت في الآونة الأخيرة، وقد تنحصر الفائدة منها على تحديد بعض المسارات للمتدرب ومن ثم يعمل عليها بـجهود فردية اما غير هذا فمن غير الممكن ان يتكامل الاعلامي في دورة لأيام معدودة.
الـرأي الاكـاديـمـي
وكان رأي أستاذ الإعلام في جامعة أهل البيت الدكتور (عـلي شـمـخـي): في ظل التطورات التقنية في مجال تكنولوجيا المعلومات أصبحت الحاجة ماسة لمواكبة هذا التطور ولم تعد تكفي الدراسات الأكاديمية للالمام بـكل مفاصل الإعلام، من هـنا تأتي أهمية ترصين مستوى الأداء لدى العاملين في المؤسسات الإعلامية، ومن بين أهم وسائل التطوير الدورات الإعلامية التي تنظم من قبل مؤسسات مختلفة وهنا ينبغي أن تنظم هذه الدورات بـعناية وان يراعي فيها التخصصات المطلوبة والمواضيع التي يجب التركيز عليها، كما يجب الاهتمام بأختيار الأساتذة والمدربين الذين يمتلكون المهارات اللازمة في إلقاء المحاضرات، وفي كل الأحوال فإن الأفضلية بـرأيي هو إختيار خريجي أقسام وكليات الإعلام بـكل فروعها لتولي المسؤولية في إدارة الإعلام في مختلف المؤسسات لأن خريجي الدراسة الأكاديمية هم اقدر وأكثر استيعاباً لمهمة الإعلام أما الدورات التطويرية فهي تصقل بعض المهارات في هذا المجال وتطور من أداء خريجي الإعلام ومن هم يديرون دفة الإعلام من دون أن يحصلوا على شهادة التخرج من كليات الإعلام.