مكاشفة إعلامية للصحافة الكوردستانية

من المظاهر الإعلامية التي تميزت بها الساحة الصحافية الكوردستانية بعد انتفاضة عام واحد وتسعين، ظاهرة المطبوعات المتعددة التي صدرت كصحف يومية أو اسبوعية أو شهرية للشارع السياسي والرأي العام في الاقليم لتمنح القاريء الكوردي جرعات متنوعة من المشهيات الإعلامية التي تخص جوانب متعددة من الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية والرياضية والفنية للشعب الكوردستاني. 


والحقيقة المؤسفة أن أكثر الصحف والمجلات والدوريات والمطبوعات الصادرة هي عائدة بصورة مباشرة وغير مباشرة الى الحزبين الرئيسين في كوردستان الاتحاد الوطني بزعامة السيد جلال طالباني والديمقراطي الكوردستاني بزعامة السيد مسعود بارزاني، والباقية هي عائدة الى الاحزاب الصغيرة التي تحاول ان تعبر عن وجودها بصحيفة او مطبوعة معينة خالية من الفن الصحافي ومقومات الحرفة المهنية الإعلامية. ويعود السبب في هذا الأمر الى عدم دخول الرأسمال الأهلي في نشاطات هذه الصناعة الإعلامية لإصدار صحف ومجلات متنوعة بالرغم أنه يحمل ملكية الكثير من المطابع الأهلية التجارية التي تتسم بالقدم عدى قلة قليلة أخذت على نفسها استيراد مطابع حديثة لتستفيد من العروض الطباعية التي توفرها النشاطات الحزبية في مجال المطبوعات و الإصدارات الإعلامية. 


ولكن بالرغم من سيطرة الاحزاب الكوردية على هذا المجال، ومن باب الإنصاف والحقيقة والإسناد الى الحقائق فان الصحف والمطبوعات التي أخذت طريقها الى الحضور على الساحة في الاقليم بعد الانتفاضة ولحد الآن، لا تقارن بأي حال من الأحوال مع الصحافة السائدة في المنطقة، خاصة منها العربية، وبالأخص الصحافة العراقية السابقة التي كانت تصدر إبان حكم البعث البائد في بغداد تحت مسميات مختلفة لأنها كانت موجهة لخدمة أيديولوجية شوفينية وعنصرية للنظام، وأمام هذا النوع من الصحافة الرسمية المملوكة لنظام مستبد، خلق النموذج الكوردستاني قدوة تندر حصولها في المنطقة الا في المجتمعات الديمقراطية الغربية، وهي سماحه بتواجد صحف ومجلات النظام البائد الى جانب الصحافة الكوردية للرأي العام، وهذا ما عبر عن ثقة عالية للشعب الكوردي بالأمر الواقع الذي خلقه لكيانه كإقليم شبه مستقل خارج أطار سلطة النظام بفضل نضاله السياسي والتحرري على مر عقود طويلة، هذا الواقع المتسم بالتعددية الحزبية والنهج الديمقراطي الأولي سمح للصحافة الكوردستانية بالتنوع السياسي وبالتطور من ناحية التعبير عن طريق توفير مساحة جيدة لحرية الرأي. 


لهذا اقترنت الصحافة الكوردستانية بنموذج متقدم مقارنة بالصحافة الصادرة في المنطقة وفي الدول المتواجدة في المحيط الاقليمي لإقليم كوردستان، خاصة من باب حرية التعبير على الصعيد الإقليمي والشرق الأوسطي، ولو أنها تفتقد الى الاستقلالية التامة والحرفية المهنية والتمويل الذاتي، لأنها لا زالت بعيدة عن نشاطات الرأسمال الأهلي ولا زالت بعيدة عن الاستخدامات المهنية المتعلقة بنقل الحقيقة بموضوعية وحرفية مستقلة واستخلاص استطلاعات الرأي العام بحسابات و قياسات دولية موثوقة ومتقنة، ولا زالت بعيدة عن الأغراض الاقتصادية والتجارية والمالية والإعلامية والترفيهية التي أخذت تلعب فيها الصحافة دورا رئيسيا.
انطلاقا من هذه الحقائق المجردة والإقرار بان البيئة المتسمة بغير الأجواء الديمقراطية التي تعيشها عالمنا الإقليمي، فإن المنطقة لا تحوي أنماطا صحافية مستقلة حرة، كالنموذج الكوردستاني والنموذج العراقي الذي بدء بالنهوض بعد تحرير بغداد وسقوط حكم صدام. بالرغم من هذا ومع إقرارنا بهذه البيئة عندما نمد أبصارنا الى الوسائل الإعلامية الصحافية السائدة في المنطقة خاصة الشرق الأوسطية منها نجد أن الصحافة الكويتية سجلت سابقة جيدة في هذا المجال باعتبارها إعلام متميز لأنه يحمل بعض معاني ومفردات الحرية في التعبير عن الشجون السياسية والثقافية وتميز هذه الصحافة بمهنية فنية عالية في الإخراج والطباعة والعمل المهني الإعلامي، ولولا اقترافها لأخطاء استراتيجية سوداء في عهد الثمانينات من خلال دعمها لنظام البعث في بغداد ومساندتها لنظام صدام الجائر لاحتفظت الصحافة الكويتية بالصدارة الأولى عند مقارنتها بمجمل الصحافة السائدة في المنطقة على الصعيدين الإقليمي والعربي. 


ولكي نكون عمليين في تقييمنا، فإننا نستعرض أهم الصحف الكوردستانية الصادرة بالكوردية والعربية، بإيجاز مع ذكر تعريف ملخص بخصوص الصحيفة من باب البيان والمعلومة، والصحف هي:

جريدة “الاتحاد” اليومية
جريدة يومية وهي الصحيفة المركزية للاتحاد الوطني الكوردستاني تصدر كجريدة يومية سياسية، رئيس تحريرها فرياد رواندزي ونائبه مصطفى صالح كريم، وتحررها هيئة تحرير عراقية في بغداد، ويعتقد أن 6000-7500 نسخة تصدر منها تتم توزيعها في كوردستان والعراق، وهي تعبر عن وجهة النظر السياسية للاتحاد الوطني، وهي تجمع بين الرؤية الكوردستانية والعراقية المؤمنة بالعهد الجديد، وهي لا تتسم بالرؤية المهنية الصحافية الصرفة لأنها جريدة حزبية، وهي تخاطب القاريء العراقي العربي و القاريء الكوردي عن الشأنين العراقي والكوردستاني.

جريدة “التآخي” اليومية
صحيفة يومية تصدر في بغداد عن دار التآخي للطباعة والنشر بإشراف من مكتب الإعلام المركزي للحزب الديمقراطي الكوردستاني، رأس تحريرها في السابق الكاتب والسياسي الكوردي فلك الدين كاكةيي ويرأس تحريرها الان الدكتور بدرخان السندي، تاسست عام 1967، وتعتبر من الصحف الرائدة التي حملت نقاشات وجدالات سياسية كثيرة ومثيرة مع الأجهزة الاعلامية للنظام البائد خلال النصف الأول لعقد السبعينات من القرن الماضي، ويعتقد أنها تصدر بحدود 5000-8000 نسخة في كوردستان والعراق، وهي لا تتسم بالمهنية الصحافية لأنها تابعة لجهة حزبية كوردستانية تصدرها بلسان عربي لمخاطبة العراقيين والعرب على المستوى الاقليمي.

جريدة “كوردستاني نوى” اليومية
صحيفة يومية كردية تصدر في السليمانية كلسان حال الاتحاد الوطني الكوردستاني، بإشراف من مكتب الإعلام المركزي للاتحاد الوطني، يرأسه ئازاد جندياني، صدر العدد صفر منها بتاريخ 12/1/1992، صاحب امتيازها الدكتور فؤاد معصوم ورئيس تحريرها كاوة محمد، ونائب رئيس تحريرها شيركو منكوري. تعتبر الجريدة من الصحف الحزبية التي تتسم بها الإعلام الكوردستاني المطبوع، ولو أنها خطت لنفسها ان تطرح هموم المواطنين بشي من الجرأة من بداية صدورها، ولكنها لا زالت متمسكة بإطار التوجه الحزبي، لهذا لا تتوفر فيها مساحة مطلقة للعمل الصحفي المبني على الموضوعية والمهنية المستقلة لطرح المواد الخبرية والتحقيقات والريبورتاجات باستقلالية تامة بعيدا عن التوجه الحزبي او الحكومي، وحبذا لو تحولت هذه الصحيفة “كوردستانى نوى” الى مؤسسة مستقلة لدعم وتطوير العمل الصحافي في كوردستان.

جريدة “خبات” اليومية
صحيفة يومية تصدر عن الحزب الديمقراطي الكوردستاني بإشراف مكتب إعلام الحزب الذي يرأسه الصحفي سرو قادر، رئيس تحريرها نزاد عزيز، وهي تعبر عن وجهة النظر الرسمية للحزب، وهي تتناول جوانب عديدة من الأخبار والتحقيقات الخاصة بإدارة حكومة اقليم كوردستان في اربيل، مع طرحها بعض هموم المواطنين في صفحة مخصصة مع ردود الدوائر الرسمية، وبالرغم من طرحها لرسومات كاريكاتيرية قوية في معانيها وموضوعاتها وتميزها في هذا الجانب، لكنها لا زالت تسير ضمن إطار التوجه الحزبي، ولا تملك المساحة الصحافية المستقلة المبنية على الموضوعية والمهنية الإعلامية في العمل الحر الصحافي المستقل لطرح المواد الخبرية والتحقيقات والريبورتاجات باستقلالية تامة بعيدا عن التوجه الرسمي او الحزبي. وكما قلنا عن جريدة كوردستانى نوى، نقول أيضا حبذا لو تحولت جريدة “خبات” أيضا الى مؤسسة صحافية مستقلة تامة لدعم وتطوير عمل الصحافة في إقليم كوردستان.

جريدة “هاولاتي” الاسبوعية
جريدة اسبوعية كردية شبه مستقلة، تصدر في اربيل والسليمانية عن مطبعة رنج الأهلية، صدر اول عدد منها في 5/11/2000، يرأس تحريرها ئاسوس هردي، وصاحب امتيازها طارق فاتح حسن، انشق مجموعة منها واستقلت بنفسها فأصدرت اسبوعية اخرى باسم “ئاوينة” لا زالت في بواكير أعدادها الأولية. تعرض كادر جريدة “هاولاتي” الى مساءلات من المحكمة منها مراسلها في دهوك بسبب نشرها لأخبار وتحقيقات يقال أنها لم تكن موثوقة، ولكن بالرغم من سياستها التي تدعي أنها مستقلة لكن أخبارها وتحليلاتها وتحقيقاتها لا تتسم بالمهنية الموضوعية والمصداقية الكاملة، ويعتقد ان الصحيفة نالت تمويلا ودعما من احدى الحزبين الكورديين الرئيسين من خلال تزويدها بمطبعة متطورة من قبل احدى المنظمات غير الحكومية. رغم إن الجريدة تشير الى رقم 16000 نسخة لكل عدد يطبع منه اسبوعيا، لكن يعتقد ان هذا الرقم مبالغ فيه، ولكن مع هذا تتميز الجريدة بان لها أكبر عدد من القراء على الساحة الكوردستانية.

جريدة “ئاسو”
جريدة كوردية تطبع كل يومين مرة تصدر عن دار خندان للنشر، صاحب امتيازها ورئيس تحريرها ستران عبدالله، وهي أهلية شبه مستقلة يعتقد إنها تصدر بدعم من الاتحاد الوطني، تتناول الأخبار السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والصحية بصورة عامة، وهي لا زالت في البداية وتشق طريقها من بغداد وتتم توزيعها في كوردستان.

جريدة “ئاوينة” الاسبوعية
جريدة اسبوعية تصدر عن مجموعة “ئاوينة” التي انشقت عن جريدة “هاولاتي” لأسباب غير معروفة، لا زالت في بداية طريقها، ولا زالت في بداية عهدها الصحافي، والمجموعة التي تحررها تملك من المقومات والخبرة الإعلامية والصحافية مما قد تؤهلها ان تكون صحيفة أهلية منافسة لجريدة “هاولاتى”.

جريدة “جاودير” الاسبوعية
جريدة اسبوعية سياسية ثقافية اجتماعية تصدر بالكوردية من مدينة السليمانية من قبل مكتب المنظمات الديمقراطية التابع للاتحاد الوطني الكوردستاني، صاحب امتيازها ورئيس تحريرها السياسي من الاتحاد الوطني ملا بختيار، وهي جريدة شبه حزبية غير مستقلة تتناول الوضع السياسي لإقليم كوردستان بدرجة رئيسية، وتحاول ان تضع قدما لها على مساحة متواضعة من دنيا الصحافة الكوردية، ولكن تبدو ان هذه المساحة تتسم بصعوبة التحقيق لان رئاسة التحرير تقودها شخصية حزبية.

جريدة “هوال”
جريدة اسبوعية سياسية تصدر من مدينة كركوك، عن مؤسسة “هوال” للإعلام والصحافة، يرأس تحريرها شوان داودي ومدير تحريرها معتصم نجم الدين، تصدر معها ملحق عن الألغام في كوردستان صادر من المديرية العامة لشؤون الألغام، تحاول الجريدة من خلال أعدادها الصادرة التي وصلت الى 160 عددا، تناول مواضيع متعلقة بالفساد الإداري والمالي والسياسي تخص أكثرها الادارة الحكومية في السليمانية.

جريدة “الصحفي” 
جريدة نصف شهرية تصدر عن نقابة صحفيي كوردستان، يرأس تحريرها الصحفي والإعلامي فرهاد عوني ونائبه الصحفي والإعلامي مصطفى صالح كريم، وهي صحيفة نقابية مختصة بنشاطات وفعاليات مجلس النقابة وأعضائها، وهي تمثل الواجهة الإعلامية للنقابة التي تشترك في تشكيلتها اغلب الاحزاب الكوردستانية وتنطوي تحت خيمتها أغلب الصحفيين في الاقليم.

جريدة “ئالاي ئازادي”
جريدة سياسية اسبوعية تصدر عن المكتب الإعلامي لحزب كادحيي كوردستان الذي يتزعمه السياسي الكوردستاني قادر عزيز، صاحب امتيازها المكتب الإعلامي للحزب ورئيس تحريرها ئاريان محمد ونائبه نبز كمال نوري، لا تتميز بسمة صحافية معينة وهي جريدة حزبية معدة كواجهة اعلامية حزبية.

جريدة “جةماوةر”
جريدة اسبوعية كوردية تصدر عن مجموعة هانا للإعلام في اربيل، لا زالت في بدايات طريقها، أشرفت على إصدارها في البداية مجموعة شبه صحافية، ثم انتقلت امتيازها وتحريرها الى مجموعة أخرى، لا تتسم الجريدة بمهنية وموضوعية صحافية صرفة، هي على ما تبدو تتجه الى ان تكون صحيفة إعلانية تجارية لخدمة أهداف المجموعة التي تصدرها.

بصورة عامة هذه هي الصحف الكوردستانية المهمة التي تصدر في الاقليم، الحزبية منها والأهلية، وهي بلا شك تحتل مساحة جيدة ضمن اهتمامات الجمهور الكوردي لمتابعة الإخبار السياسية والاجتماعية بالدرجة الأولى، وهي على العموم يمكننا أن نؤكد من جديد أنها تتسم بما يلي:
* أن أغلب الصحف الكوردستانية التي تملك انتشارا مقبولا في عدد نسخها من حيث توزيعها، هي جرائد حزبية مثل “كوردستانى نوى” و”خبات” و”الاتحاد” و”التآخي” وهي تملك إمكانيات جيدة في الادارة والكوادر والعمل الفني، ولكنها تسير وفق إطار معين لتمثل الجهات الصادرة لها، وهي في كل الأحوال تمثل ركنا أساسيا من عالم الصحافة الكوردية.
* تجربة الصحافة الأهلية المستقلة في اقليم كوردستان لا زالت في بداياتها، والصحف الأهلية الصادرة احتلت مكانتها بدعم غير مباشر من الحزبين الرئيسين في الاقليم، وهي بحاجة الى رعاية أكثر من سلطة الدولة من خلال تشريعات محكمة تصب في خانة استقلالية الإعلام لتكون سلطة مستقلة مهيئة لخدمة المصلحة العليا للاقليم.
* عدم وجود جهة مستقلة تراقب عملية التوزيع من حيث الأعداد والجودة والتقييم الفني والمهني، خاصة وان إحدى الصحف المحلية وهي “هاولاتى” تطرح أرقاما كبيرة في التوزيع، والاعتقاد السائد ان جمهور الصحافة في كوردستان ليس بهذا العدد الكبير، لأن الفضائيات الكوردستانية والأجنبية والعراقية والعربية خاصة الخبرية منها تملك حضورا جيدا لدى الجمهور في الإقليم.
* ضعف الاستهلاك التسويقي للصحف والمطبوعات، وضعف الإقبال التجاري والسوقي للنشاطات والأعمال التجارية والسوقية والاقتصادية للقطاعات الحكومية والأهلية على الصحافة وغياب استغلالها في عروض الإعلانات والنشاطات الدعائية لأغراض تسويقية وتجارية.
على العموم من خلال هذه المكاشفة الإعلامية للصحافة الكوردستانية، أردنا أن نسلط الضوء بشكل موجز على جانب مهم من حياة السلطة الرابعة في اقليم كوردستان التي تتميز بأن لها تاريخ قديم في المنطقة وهي أقدم من تاريخ الصحافة العراقية، حيث صدرت أول صحيفة كوردستانية من قبل عائلة بدرخان في القاهرة قبل أكثر من قرن.

من موقع حكومة اقليم كوردستان العراق