سوران علي
دخلت الصحافة الكوردية في الثاني والعشرين من أبريل نيسان الجاري قرنا وربع من عمرها وهو ليس بالشيء الكثير مقارنة بتاريخ الصحافة في بعض البلدان الأخرى، فهي فتية وقليلة الخبرة ولم تخرج من دائرة التقليد والتبعية لتجارب صحافية إقليمية وشرق أوسطية في أغلب مراحلها، ولم تتمكن حتى يومنا هذا من اجتياز هذه النمطية المتكررة وأغلب الظن أن بقاء الكورد مقسمين وافتقارهم لدولة قومية تجمعهم له اليد الطولى في ذلك.
ووفق وجهة النظر هذه من الإجحاف توقع الكثير من هذه الصحافة التي واكبت رغم نواقصها العديدة، محطات مهمة من الكفاح الكوردي السياسي والمسلح والثورات والحس الوطني والقومي بكل تفاصيلها بل وأسهمت فيها إسهاما بارزا وأدت مهماتها على أكمل وجه. وعلى الرغم من كل ذلك فإن التبعية والتقليد التي اتسمت به لم يسمح لها بالخروج عن طوق الأنماط الصحافية السائدة عبر هذا التاريخ وفي الدول التي تضم أجزاء كوردستان المقسمة (تركيا، العراق، إيران، وسوريا) فكانت تكرارا لصورة طبق الأصل لما هو موجود في تلك البلدان أسلوبا وتحريرا وكتابة وإخراجا وتناولا للقضايا، وإن كان هناك العديد من الكتاب والمتنورين والمثقفين والصحافيين الكورد من اللذين اجتازوا تلك الحدود واختلطوا بالثقافات الأخرى ولكن دون أن يكون لهم بصمة وتأثيرا واضحا في تغيير تلك النمطية، كما لا يمكن نكران دور وحضور الصحافيين والكتاب الكورد القوي في تطوير صحافة تلك الدول إذ كانوا من عقولها المدبرة ومزوديها بالطاقات البشرية الفذة.
ولعل من الأسباب الأخرى التي حالت دون خروج هذه الصحافة من قوقعتها الميول السياسية على مر تلك السنين، فكان كل وسيلة إعلامية كوردية إما مملوكة للدولة التي تتحكم فيها وتسيرها وهي تعبر عن سياساتها وتعكس مواقفها وتوجهها، أو تابعة للأحزاب والقوى السياسية الكوردية التي لم تعرف مسيرتها النضالية وئاما مستمرا لا مع حكومات الدول ولا مع نفسها فيما بينها، ناهيك عن قلة الإمكانات والقدرات الإعلامية وندرة الاقلام الصحفية المتمكنة في القرن المنصرم.
ومع بدايات القرن الجديد وتحسن الأوضاع السياسية للكورد في العراق على الأقل وإنشاء إقليم وحكومة وبرلمان ومؤسسات إدارية ضمن النظام الفدرالي المثبت في الدستور، والتطورات الهائلة التي شهدتها الصحافة وأساليبها بحكم الانفتاح والطفرات التكنولوجية المتسارعة، وجدت وسائل الإعلام الكوردية متسعا للانخراط في أنماط صحفية حديثة ومتطورة كانت جديدة حتى على العراق كما دخلت وبقوة على خط الإعلام الجديد الرقمي فأبلت في ذلك بلاء حسنا وسجلت إنجازات محدودة ونافست كبرى المؤسسات الناطقة بغير اللغة الكوردية، أضف إلى ذلك تعدد الوسائل الإعلامية الكوردية ومنصاتها وكثرة الصحافيين والإعلاميين محليا وخارجيا من ذوي التوجهات غير التقليدية المطعمة بتجارب غربية ثرة ورائدة، فشهدت الصحافة الكوردية حقبة من النمو والبروز أطلق البعض عليها العصر الذهبي.
والحق يقال أن هذا النمو الصحافي والإعلامي لم يكن متوازنا ومخططا لها من حيث الشكل والمضمون البتة، فمع ما تمتع به المجال الصحافي الكوردي منذ عام 1991 من توفر حرية التعبير وافتتاح كليات الإعلام والصحافة والمعاهد المتخصصة وإنشاء نقابة للصحفيين وتوسع دائرة نشاطات المنظمات المدافعة عن الصحافة والصحافيين ومصادقة برلمان كردستان عام 2007 على قانون تنظيم العمل الصحافي وتسخير الوسائل والأدوات الفنية والتقنية الحديثة المساعدة، إلا أن المضمون والمحتوى لم يشهد اختلافا يميزه عن سابقه كثيرا، فالنزعة السياسية بل والحزبية الضيقة طاغية على معظم ما تتناوله الصحافة الكوردية وإن كانت على درجات متفاوتة، وهناك غياب تام لخطاب صحافي موزون يرتكز على القضايا القومية ولا يتخذ من التسقيط وضرب المنافسين هدفا.
يشهد الإعلام في العالم طفرة نوعية في المستقبل القريب لا سيما بعد البوادر الأولية لتدخل الذكاء الاصطناعي هذا المجال ومن المسلم أن التطورات المقبلة ستكون خارجة عن التوقعات وفائقة السريعة قد لا تتمكن الصحافة الكوردية من مجارتها فكيف إذا بقت حبيسة هذا النمط وقابعة في قوقعتها التي عفا عليها الزمن.