اصابت قناة (كي ان ان ) التابعة لحركة التغيير مساء الثاني عشر من أيار (مايو) متابعيها بالصدمة بعدما أعدتهم لإعلان “الانتصار الكبير” لحركة التغيير في الانتخابات التشريعية العراقية. ورفضت القناة نتائج الانتخابات متهمة الاتحاد الوطني الكردستاني باختراق النظام الالكتروني لعد الأصوات ولم تهدأ نار هذا الصراع حتى الآن.
الوضع السياسي المتوتر بسبب الحملات الانتخابية في إقليم كردستان وتّر معه وضع وسائل الإعلام أيضا، ففي اليوم نفسه كانت قناة كردستان 24 التابعة للحزب الديمقراطي الكردستاني تقوم بتغطية ادعاءات عن تعرض المقر الرئيس لحركة التغيير في مدينة السليمانية لهجوم اتهمت الحركة الاتحاد الوطني بالوقوف وراءه في وقت كانت القنوات الاعلامية لحركة التغيير والحزب الديمقراطي تخوض حربا اعلامية ضروسا خلال الحملة الانتخابية.
وجاءت تغطية وسائل الإعلام لتبعات ما بعد إعلان النتائج الأولية كصب الزيت على النار. فقد دعت وسائل الاعلام التابعة لحركة التغيير مؤيديها للتجمع خارج المقر الرئيس للحركة في السليمانية بعد التوتر الذي حدث بين مؤيدي الحركة وقوة أمنية انتهت بإطلاق النار ما وتر الأجواء الانتخابية أكثر وتجمع أثره المئات حاملين أسلحة.
وكانت تغطية معظم وسائل الاعلام الحزبية وشبه الحزبية و”الاهلية” ليلة ظهور النتائج الاولية تسير باتجاه توتير الوضع وتعميق الصراعات وليس تهدئة الاوضاع. كاروان علي هو الاسم المستعار لأحد مؤيدي التغيير الذي قال لـ”نقاش”: انه “بمجرد سماعي ان قناة كي أن أن تدعو للدفاع عن ضريح كاك نوشيروان، هرعت الى كرده كه (المقر الرئيس للحركة)”. ولم تكن الحرب الإعلامية في إقليم كردستان وليدة الكشف عن نتائج الانتخابات، بل كانت صفة موروثة من الحملة الانتخابية التي جربت وسائل الإعلام أساليبها منذ أكثر من شهر. وفقدت معظم وسائل الإعلام الحزبية وشبه الحزبية ووسائل إعلام الظل وحتى الاهلية في اقليم كردستان السيطرة على عملها المهني وكأن الحملة الانتخابية كانت الفيصل لإظهار مدى صمودها المهني وعدم انحيازها أثناء الأزمات.
القنوات الناطقة بلسان الأحزاب دخلت في حرب ضروس وقادت الحملات الانتخابية باتجاه لم تسلكه من قبل وكانت مهاجمة قيادات ورموز البعض من قبل القنوات الوجه البارز للحملة التي تعدت حدود التشهير في بعض الأحيان. وكان مضمون تقارير قناة (كي أن أن) التي تلقب من قبل مؤيدي حركة التغيير بـ”توبخانه كه” (المدفعية) موجها كل ليلة الى احد المنافسين الرئيسيين للحركة وشخصياتهما وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني، كما كانت تهاجم بين الحين والآخر حراك الجيل الجديد الذي كان من المتوقع ان تأخذ بعضا من أصوات التغيير. وقال الدكتور إبراهيم سعيد أستاذ الإعلام في جامعة السليمانية لـ”نقاش”: حول الصراع بين وسائل الاعلام “لم تكن وسائل الإعلام التابعة للأحزاب تعمل على إظهار محاسن أحزابها بقدر عملها على ضرب منافسيها”. وأضاف ان “كيل الاتهامات من قبل وسائل الاعلام فيه الى حد ما فرصة للإثبات بالدلائل، أما لجوء وسائل الإعلام الى اهانة الشخصيات فهو مخالف للمبدأ الأخلاقي للعمل الإعلامي وغير مسموح به قانونا”.
وكانت أكثر حروب وسائل الاعلام التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني هي مع قائمة التحالف من اجل الديمقراطية والعدالة التي يتزعمها برهم صالح النائب السابق للامين العام للاتحاد الوطني. تقارير قناة شعب كردستان الناطقة باسم الاتحاد الوطني خصصت بعض برامجها لمحاربة رفيق الامس في الحزب، اذ كانت تنسب ملكية المشاريع السابقة لبرهم صالح في رئاسة الحكومة (2009- 2011) والتي كان يستخدمها في حملته الانتخابية الى الاتحاد الوطني. وكان ذلك ردا على حملة قناة خندان التلفزيونية حديثة النشأة والتابعة لبرهم صالح حول مشكلات نظام الحكم والتي اعتبرت الاتحاد الوطني جزءا منها.
مفاجأة الانتخابات كانت في انحراف وسائل الإعلام التي كانت قد اتخذت من التغطية المهنية شعارا لها الا ان الحملة الانتخابية افقدتها هذا الشعار. قناة روداو المملوكة لنجيرفان بارزاني نائب رئيس الحزب الديمقراطي ورئيس حكومة الاقليم بخلاف الانتخابات السابقة كانت تبث الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي بشكل مباشر مستخدمة خطابات مسؤولي الحزب كمواد صحفية في نشراتها الخبرية اليومية. وكانت الخطابات في الغالب موجهة ضد منافسي الحزب ولاسيما الاتحاد الوطني فقد كان لانسحاب البيشمركة من كركوك في السادس عشر من تشرين الاول (اكتوبر) من العام الماضي حصة الأسد فيها اذ يعتبر الحزب الديمقراطي الاتحاد الوطني مسؤولا عن هذا الفشل. ونشرت قناة روداو في التاسع من أيار تقريرا حول حملة الحزب الديمقراطي في حدود قضاء زاخو قال فيها مسرور بارزاني عضو المكتب السياسي للحزب ان “خيانة السادس عشر من اكتوبر ليست خيانة ننساها اليوم او في المستقبل، وهذا هو يوم معاقبة المشاركين في تلك الخيانة بأصواتكم”. معظم الحملات الانتخابية للحزب الديمقراطي كانت تبث من قناة روداو دون القيام بتغطية خطابات مسؤولي الاحزاب الاخرى في الحملة الانتخابية بنفس القدر عدا التي يمكنها اعادة استخدام معلوماتها ضد منافسي الحزب الديمقراطي. ورأى الدكتور إبراهيم سعيد أن القنوات التي تعتبر قنوات ظل كانت تعمل على تشويه منافسيها بشكل غير مباشر. أول سؤال لبرنامج في قناة روداو خلال اول ايام الحملة الانتخابية وجه لمرشحة في قائمة الاتحاد الوطني حول وجود وزارة حقوق الانسان في العراق سرعان ما اثار مواقع التواصل الاجتماعي ضد المرشحة التي لم تعلم انه لا توجد وزارة بهذا الاسم.
اما المفاجأة الثانية في العمل الاعلامي خلال الحملة الانتخابية فكانت انحراف وسائل الاعلام التي تحسب على جبهة الصحافة “الاهلية” إذ غيرت قناة أن آر تي اتجاه تغطياتها السابقة خلال الحملة الانتخابية بسبب كون مالكها شاسوار عبد الواحد رئيس ا لقائمة الحراك الجديد. وكانت المساحة الاكبر من تغطياتها الخبرية اليومية وموادها الاعلامية تتمحور حول الرسائل اليومية لرئيس قائمة الجيل الجديد ومرشحيها فيما لم تكن تغطي حملات الاطراف الاخرى. هذا فضلا عن نشرها للتقارير التي كانت تنال من المستوى الجماهيري لمنافسي قائمة الجيل الجديد. وفي السادس من أيار (مايو) نشرت قناة أن آر تي تقريرا عن الحملة الانتخابية لشاسوار عبد الواحد في بهدينان فقدت في مستهله استقلاليتها اذ جاء فيه: “تركزت تحركات وحملات قائمة الجيل الجديد منذ يومين في حدود اربيل وبهدينان واعلن شاسوار عبدالواحد رئيس قائمة حراك الجيل الجديد انه لا يمكن لعائلة واحدة ان تستولي على بهدينان”. وحول ذلك قال الدكتور ابراهيم سعيد: “وقعت القنوات التي كانت تعتبر نفسها مستقلة واهلية في الانحراف عن مسارها المهني”.
الحرب الإعلامية خلال الحملة الانتخابية كانت مرآة لحجم الصراع الذي وقعت فيه الاطراف السياسية، اذ لم تتمكن من السيطرة على انحراف قنواتها عن المهنية كما لم تكن إجراءات الاطراف المراقبة بالحجم الذي يعيدها الى حدود عملها. وقال زانا عثمان مسؤول الاعلام والعلاقات الجماهيرية في مكتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في اقليم كردستان لـ”نقاش”: ان ” التقارير اليومية كانت عن تجاوزات وسائل الاعلام ترفع من قبل مكاتب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات في مدن السليمانية واربيل ودهوك الى مجلس المفوضين في المفوضية الذي كان يتخذ القرارات حول عقوباتها”. واضاف: “اكثر العقوبات حول انحراف وسائل الاعلام هي عقوبات مالية”. وفضلا عن ان الاعلام لم يتمكن خلال الحملة الانتخابية في اقليم كردستان من اقناع المواطنين بمعلوماتها احدث ايضا موجة استياء لدى المواطنين حول هذا النوع من المعاملة الاعلامية. كامران بكر (42 سنة) وصل به الاستياء من الحرب الاعلامية في وسائل الاعلام الى حد منع نفسه من مشاهدة تلك القنوات أثناء تواجده في البيت، وقال لـ”نقاش”: “لقد حذفت جميع القنوات الحزبية من جهاز الستلايت فمن الأفضل أن لا استمع للحرب السياسية”.