قانون جديد يهدد بخنق ما تبقّى من حرية التعبير في العراق

رومي ميشال نصر*

تواجه حرية التعبير في العراق خطرا غير مسبوق منذ عهد صدام حسين. بعد الإطاحة به، تبنت البلاد دستورًا جديدًا في عام 2005 يضمن حرية الخطاب. لأول مرة منذ عقود، كان المواطنون – من الناحية النظرية على الأقل – أحرارًا في انتقاد
القيادات السياسية والدينية، سواء من خلال الاعلام المكتوب والمرئي والمسموع او من خلال احتجاجات سلمية في الشوارع.
صحيح أن التقدم نحو قوانين ترعى حريّة التعبير كان بطيئًا، حيث واجه الصحفيون الترهيب وقوبل المتظاهرون في كثير من الأحيان بالقمع والعنف. لكن على الأقل وقف القانون إلى جانبهم. الآن وبعد 15 عاما، البرلمان العراقي على وشك المصادقة على قانون مثير للجدل يلقي بظلاله على جميع أشكال التعبير عبر الإنترنت، ابتداء من منصات التواصل الاجتماعي والمدونين والمنابر الإعلامية المستقلّة في البلاد. وقد تم دعم هذه الخطوة من قبل غالبية النخبة السياسية والدينية.

سيؤدي قانون جرائم المعلوماتية إلى فرض غرامات كبيرة وعقوبات سجن طويلة لـ”جرائم” تشمل مجرد انتقاد الاداء الحكومي!
أي مواطن يعبر عن رأي سلبي تجاه مسؤول حكومي أو يشكو من الخدمات السيئة معتبرا انها تهدد “استقلال العراق ووحدته وسلامته ومصالحه الاقتصادية والسياسية والعسكرية والأمنية ” مهدّد بالاعتقال وصولا الى السجن المؤبد وغرامات تتراوح بين 25 و50 مليون دينار عراقي (21000-24000 دولار امريكي).
ويمكن أن تطبق نفس العقوبة على أي شخص “يزعج السلم والأمن العام، ويعمل على تشويه سمعة البلد”. كما وانّه يحكم بالسجن لمدة عام على الأقل “أي شخص يتعدى على أي قيم أو مبادئ دينية أو أخلاقية أو أسرية أو اجتماعية”.
يتضمن مشروع القانون أيضًا أحكامًا تعنى بمعاقبة الجرائم الالكترونية كالاحتيال وغسيل الأموال والمراقبة غير المشروعة. غير ان هذا القانون يغرّم جرائم أخرى لم يتم تعريفها بشكل واضح ممّا يمهد الطريق لقمع حكومي واضح وغير مقيد.
تمت صياغة مسودة القانون عام 2011 باعتباره قانونًا يحمل عنوانًا بسيطًا لمكافحة جرائم المعلومات الإلكترونية، وقد تم عرضه على البرلمان في عام 2013 لكنه سحب بعد ضغوط محلية ودولية. وشكّل ائتلاف يضم منظمة العفو الدولية، هيومان رايتس ووتش ، المرصد العراقي لحقوق الإنسان (IOHR) و PENاهدافه ادانة مشروع القانون، معتبرين “أنه يقوض بشدة حرية التعبير” لتعارض النص مع العديد من مواد الدستور العراقي، بما في ذلك المادة 38 التي تحمي حرية التعبير للمدنيين والصحفيين. كما أنه يتعارض مع العديد من المعاهدات والاتفاقيات الدولية وأعراف حرية التعبير التي وقع عليها العراق أيضا.

نظريًا، بموجب مسودة القانون الجديد، يمكن اعتبار هذا المقال على أنه تهديد للسلم الأهلي ويعمل على تشويه سمعة البلد ويعرّض ناشره الى السجن او تغريمه او حتى اغلاق المنصة التي نشرت المقال. لذلك من الصعب تخيل قانون قد يكون الأسوأ بالنسبة الى حرية الرأي والتعبير.

في تشرين الأول / أكتوبر 2019، خرج شباب عراقيون إلى الشوارع في مظاهرات سلمية للمطالبة بإصلاحات عديدة والضغط على الحكومة لاحترام وتطبيق القوانين التي من شأنها مراعاة واحترام حقوق الإنسان. فردت الدولة بإغلاق الإنترنت وقمع الاحتجاجات بعنف. رغم العقبات والعنف المفرط، استمر الشباب في التدفق إلى الشوارع، الى ان خرجت حركتهم عن مسارها فقط مع بداية جائحة فيروس كورونا لتصبح نشاطاتهم عبر الإنترنت. من هذا المنطلق، أظهر عمل معهد صحافة الحرب والسلام في العراق، انّ لدى منصات التواصل الاجتماعية تأثير في دفع التغيير الاجتماعي وكشف المخالفات والترويج لمبادئ حقوق الإنسان والمبادرات التي تعنى بالمصالح الوطنية.
واخيراً ان المؤسسات الرسمية التي ينبغي ان تكون الجهة الأساسية التي تتولى مسؤولية حماية وسائل الإعلام وحق المواطنين في حرية التعبير هي في هذه اللحظة الرّاعي لخنق تلك الحقوق ونسفها. لذلك على جميع المؤثرين وهيئات المجتمع المدني والدولي رفع الصوت عاليا لصدّ قانون يهدد بإسكات مجتمع بأكمله. فإذا تم تمرير هذا القانون، كما هو مرجح، فإنه سيعيد العراق إلى الأوقات السوداء عندما كانت حرية الرأي والتعبير تعتبر جريمة.

* مديرة معهد صحافة الحرب والسلام في العراق