تناولت هذه الرسالة، عرض وتوضيح عناصر حق في الحياة الخاصة للاشخاص وتمييزها عن الحقوق العامة واصطدامها مع حرية التعبير وحرية الصحافة. واشير الى الاوضاع التي كانت تلك الحريات فيها في اطار وجهات نظر الانظمة السياسية والعادات المعتقدة في المجتمعات المختلفة لهذه الحريات، الاوضاع التي تتيح انتهاك عناصر هذا الحق او حمايتها. وذلك عبر الوسائل العلنية والعناصر الصحفية المختلفة ومؤسساتها. وكل ذلك لاجل الوصول الى شبكة من التنسيق والتوازن بين عناصر هذا الحق و حق شهرة تلك الشخصية وجاهها، التي ليس باقل من حق الحياة الخاصة، وتم اقرارها في المستويين ألداخلي والخارجي، وبانتهاكها، يواجه المجرم المسؤولية المهنية والقانونية. التطور العلمي والتكنولوجي وتوسيع وسائل الاتصال والاعلام، في زمن العولمة وتدفق المعلومات، اضافة الى فرص الانفتاح والتعبير المتنوع للانسان، كل ذلك ادى الى تجاوز الحدود الجغرافية وتقريب اقطاب الارض الى اقرب مسافة. وبذلك وسعت حرية التعبير والصحافة من جهة، وظهرت ازمة الحياة الخاصة للافراد والولوج الى المعلومات والخصوصيات الذاتية والشخصية، سواء على مستوى الافراد او المؤسسات والاجهزة الحساسة الداخلية والدولية. ولاشك ان الحقل الصحفي الكردي في اقليم كردستان والمحافظات العراقية الاخرى و دول الجوار، لم ولن يكن ببعيد عن شرارة هذه الازمة العالمية التي اصبحت وسائل الاتصال والانترنيت هوية ونواة لانتشارها. واصبحت الصحافة الكردية اليوم بشكل عام والصحافة المكتوبة بشكل خاص، تهاجم عناصر الحياة الخاصة للاشخاص دون مراعاة اي مقاييس او مبادىء اخلاقية وقانونية. ولاجل زيادة المبيعات وكسب واردات اكثر، اصبحت الارضية مهيأة لظهور الصحافة الصفراء في اقليم كردستان، وكانت مظاهرها واضحة جلية في جميع الحقول الصحافية. فضح الحياة الجنسية والعائلية للاشخاص ونشر الصور الخاصة بدون اذن منهم والتدخل في الحقوق والحريات الشخصية للفرد الكردي و نشر المكالمات التلفونية والعلاقات الجسدية واشياء اخرى ذات الصلة، امثلة واضحة وبارزة لانتهاك الحق الحياة الخاصة للاشخاص التي لاتخلو منها الصحافة الكردية. بشكل عام، المجالات التي تدافع عنها الحياة الخاصة للاشخاص وتحاول حمايتها، هي اربعة مجالات رئيسة وحساسة، والتي تعرض مصير الاشخاص حال فضحها ونشرها، للخطر. وهذه المجالات الاربعة هي:
اولا: مجال المعلومات، التي تحتوي على كل الخصوصيات والقوانين التي تُسيطر على المعلومات الخاصة كالمعلومات الطبية، والمالية، والحكومية للاشخاص. وعرف هذا المجال، بمجال حماية المعلومات ولديه قوانين محددة.
ثانيا: المجال الجسدي والنفسي: وذلك لحماية خصوصيات وسرائر الجسدي والنفسي للاشخاص في حال التجارب الطبية، كالفحوصات المتعلقة بمرض الايدز، والولادة، والامراض النفسية ومثيلاتها.
ثالثا: مجال الاتصالات والعلاقات: للحفاظ على الخصوصيات الامنية للبريد الالكتروني، والمكالمات التلفونية، والملصقات والرسائل والصور والوثائق و اي اتصالات اخرى للاشخاص من مثل العلاقات العاطفية و العائلية و النفسية و الجسدية…الخ.
رابعا: مجال خصوصيات المكان، للحفاظ على حقوق المكان الذي يسكنه الفرد ويَبِيتُ فيه، سواء لبعض الاوقات و بشكل مؤقت للاستراحة و ملء اوقات الفراغ، او للسكن الدائم و العمل المستمر.
اما خطة الدراسة، فتتكون من ثلاثة فصول رئيسة، اضافة الى المقدمة والنهاية، وذلك حسب العنوان الرئيسي وضرورة ترتيب المواضيع، كالاتي تناولنا في الفصل الاول تم تمهيد الطريق للفصول الاخرى من الدراسة، وذلك عبر الحديث عن مفهوم و ماهية الحقوق و الحديث عن النظرية الفردية و الاشتراكية و دور الارادة و مصالح الافراد فيها، اضافة الى انواع الحقوق و الحقوق السياسية و المدنية و توضيح مكانة حق الحياة الخاصة. و تم توضيح مفهوم حق الحياة الخاصة و خصائصه و ابرز تعاريفه و مؤشراته، تلتها الاشارة الى العلاقة بين حق الحياة الخاصة و تجليها في العناصر الصحفية. اما الفصل الثاني فقد تحدثنا عن حرية التعبير و الصحافة و انظمة الحكم و تاثيرهم على انتهاك او حماية حق الحياة الخاصة. وتم عرض مفهوم حرية الصحافة ودور النظام الديمقراطي في توسيع هذه الحرية من جهة، والعراقيل السياسية والاقتصادية والاجتماعية امام حرية الصحافة من جهة اخرى. واشير الى واجبات الصحفي و حقوقه مع توضيح عناصر حق الحياة الخاصة. تلاها التفريق بين الشخصيات العامة والخاصة وكيفية التعامل الصحفي مع كل منهما، مع عرض نماذج حول الموضوع. و تكملة للعنوان الرئيسي، فقد خصصنا الفصل الثالث لبحث حماية حق الحياة الخاصة في القانون والاخلاقيات الصحفية، في الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، و المعاهدة الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية 1966، و الاتفاقية الاوربية لحقوق الانسان 1950، والاتفاقية الامريكية لحقوق الانسان 1969، و وثائق حقوق الانسان والشعب في الوطن العربي 1986، وكذلك حماية حق الحياة الخاصة في كل من الدستور الدائم للعراق 2005 و مشروع دستور اقليم كردستان 2009، والقوانين الداخلية امثال قانون العقوبات و القانون المدني و قانون حماية حق المؤلف العراقي، وقانون سوء استخدام اجهزة الاتصالات و قانون تنظيم العمل الصحفي في كردستان. مع المقارنة بينها وتحليلها و الاشارة الى النواقض التي وجدت فيها. واضافة الى ذلك، اشير الى حماية حق الحياة الخاصة بين مبادىء الاخلاقيات الصحفية و ووضحت المسؤولية الاخلاقية و القانونية في حماية حق الحياة الخاصة للاشخاص، يليها عرض العقوبات الاخلاقية و المدنية و الاجرامية والادارية في تعامل كل منها مع ارتكاب جريمة الحياة الخاصة للاشخاص. وفي نهاية الدراسة، تم عرض اهم النتائج التي خَلُصَت اليها الدراسة، وقدمت التوصيات و الاقتراحات للتعرف اكثر بحق الحياة الخاصة و حمايته من الجهة الاخلاقية و القانونية. وفيما يلى بعض الاستنتاجات التي وصلت اليها هذه الدراسة:
- باستثناء بعض الامثلة من القطاع الخاص فان الغالبية العظمى من الصحافة الكردية تعود للاحزاب السياسية والنخب الحزبية وتموّل من قبل هذين الطرفين.
- قلّة الخلفية العلمية وانعدام الخبرة لدى الصحفيين (الاعلاميين) عن المبادىء القانونية والمعايير الاخلاقية لمهنة الصحافة.
- انتهاك المعايير الاخلاقية للصحافة والتعدي على حق خصوصية الافراد من قبل صحفيي كوردستان.
- نشر والتلاعب بلقطات جنسية للنساء دون اذن مسبق منهن او مراعاة حياتهن العائلية، المستوى المعيشي، كشف الاتصالات الهاتفية، التدخل في الاراء السياسية للافراد، وهلم جرا، تعتبر من الامثلة الشائعة لانتهاك حق الخصوصية الشخصية في صحافة اقليم كوردستان.
- عدم وجود قانون خاص في الاقليم لحماية حق خصوصية الافراد في الصحافة المكتوبة والمسموعة والمرئية وفي الصحافة البديلة، ومن ثم عدم امكانية التمييز بين جرائم التشهير وانتهاك حقوق الحياة الخاصة للافراد وما الى ذلك، قانونيا.